تنحي الحكام
التنحي تحمل معني الترك والابتعاد، وبالنسبة للزعماء يحمل التنحي معني ترك السلطة. وهذا التنحي حدث في مصر في أربه مناسبات. ذكرها لنا التاريخ المصري، بلا مواربة.
ويمكن ان يكون التنحي جبرًا او طواعية. الجبر كان في ثلاث حالات، والتنحي الطوعي في حالة واحدة.
كان أول من أجبر على التنحي في التاريخ المصري هو الخديوي عباس الثاني. وكان آخر خديوي في مصر، كان صعوده للحكم روتينيا، بحكم الوراثة، وكان أصغر من السن القانوني للرشد، وتم احتساب عمره بالتاريخ الهجري ليكتمل له سن الرشد. كان يناصب الإنجليز العداء، كانت الحالة الدولية تنذر بخطر قريب ثم ما لبثت الحرب العظمى أن اشتعلت نارها، فلما كان يوم 18 ديسمبر من سنة 1914 أعلنت الحماية البريطانية على مصر، وفى اليوم التالي 19 ديسمبر1914 أعلن بلاغ في انحاء مصر، جاء فيه أن وزير الخارجية البريطانية يعلن عزل سموه من منصب الخديوي وأن هذا المنصب السامي قد تم عرضه مع لقب سلطان مصر، على سمو الأمير حسين كامل أكبر الامراء الموجودين من سلالة محمد على فقبله، ولكن عباس الثاني تنازل فعليا عن الحكم في ٦ مايو سنة ١٩٣١. أي بعد 18 عاما من التنحي، لصالح ابن أخيه الملك فؤاد بموجب وثيقة جاء فيها " إني موقن بأنى خدمت بلادي بأمانة وإخلاص وأنى كرست لها مدى ثلاث وعشرين سنة كل قواي وخير أيام حياتي، ورغبة منى في تحديد موقفي حيال نظام مصر السياسي وتأكيد إخلاصي نحو ذات ملكها المعظم، فإني أعلن اتباعي للدستور المقرر بالأمر الملكي، وعلى وجه الخصوص أعلن احترامي للقانون الخاص بإقرار تصفية أملاكي، ولما كنت أقر لحضرة صاحب الجلالة الملك فؤاد الاول ابن اسماعيل بأنه ملك مصر الشرعي، فإني اعلن بهذا تنازلي عن كل دعوة على عرش مصر، كما أعلن تنازلي عن كل مطالبة ناشئة عن أنى كنت خديوي لمصر". حسب ما جاء بمذكرات إسماعيل صدقي باشا رئيس الوزراء في عهد الملك فؤاد.
وظلت محبته في قلوب المصريين، آملين في عودته، لذلك اعتاد أهالي القاهرة ترديد هتافهم الشهير "الله حي...عباس جاي"، في المظاهرات الوطنية ما بين عامي 1914 و1931.
ويقال أن تنازله عن الحكم كان بمقابل أن تدفع له الحكومة المصرية مبلغ 30 ألف جنيه سنويا طوال حياته.
وبعد 20عاما من تنازل الخديوي عباس حلمي عن العرش لصالح الملك فؤاد، أجبر ابنه الملك فاروق الأول. على التنازل عن الحكم في يوليو عام 1952.
استمرت فترة حكم الملك فاروق منذ عام 1937 وحتى عام 1952، مما يعني أنها بلغت قرابة 15 عامًا كان الملك فاروق خلالها ملكا لمصر والسودان. وشهدت مصر الكثير من الإنجازات خلال هذه الفترة حتى انتهت فترة حكم الملك فاروق، وأصبح الملك فاروق على سُدّة الحكم بعد أبيه الملك فؤاد الأول.
وفي عهد الملك فاروق تم تأسيس الكلية الجوية، كما تم تأسيس الكلية البحرية خلال فترة حكمه، وذلك إلى جانب تأسيس ما أطلق عليه اسم الجيش المرابط لمساعدة الجيش المصري في الدفاع عن مصر. وفي عهده ألغيت الامتيازات الأجنبية في مصر عام 1937.
أما عن تنحي الملك فاروق، فقد تم بإرادته بموجب وثيقة قانونية، صاغها المستشار السنهوري رئيس مجلس الدولة في ذلك الوقت، وحملها على ماهر باشا رئيس الوزراء، في صباح يوم 26 يوليو 1952 لقصر رأس التين بالإسكندرية، وتحدث إلى الملك فاروق عن رغبة الجيش والشعب المصري معًا إلى تنازل الملك عن العرش، وعرض على الملك فاروق وثيقة تنازله عن العرش لابنه الأمير أحمد فؤاد، وكانت تلك اللحظة التاريخية بتاريخ ٤ ذي القعدة ١٣٧١ هجرية الموافق 26 يوليو 1952 ميلادية بالأمر الملكي رقم 65 لسنة 1952 بقصر رأس التين.
وكان الملك فاروق قد طلب من علي ماهر باشا، عندما التقى به في صباح ذلك اليوم، أن يحافظ على كرامته في وثيقة التنازل عن العرش، فقام علي ماهر باشا بطمأنة الملك فاروق، ذاكرًا له أن تكون الوثيقة على غرار الوثيقة التي تنازل بها ملك بلجيكا عن عرشه، وعلى إثر ذلك اتصل علي ماهر باشا رئيس مجلس وزراء مصر بالدكتور عبد الرزاق السنهوري، طالبًا منه تحرير وثيقة التنازل عن عرش مصر، فأعدت الوثيقة وقبل عرضها على مجلس الوزراء عرضت على اللواء أركان حرب محمد نجيب فوافق عليها.
وكان نص الوثيقة كالتالي: " نحن فاروق الأول ملك مصر والسودان، لما كنا تطلب الخير دائمًا لأمتنا ونبتغى سعادتها ورقيها، ولما كنا نرغب رغبة أكيدة في تجنيب البلاد المصاعب التي تواجهها في هذه الظروف الدقيقة، ونزولًا على إرادة الشعب، قررنا النزول عن العرش لولى عهدنا الأمير أحمد فؤاد، وأصدرنا أمرنا بهذا إلى حضرة صاحب المقام الرفيع على ماهر باشا رئيس مجلس الوزراء للعمل بمقتضاه " صدر بقصر رأس التين في 4 ذي القعدة 1371 هجرية الموافق 26 يوليو 1952 ميلادي
حمل الوثيقة المستشار سليمان حافظ إلى الملك فاروق بقصر رأس التين، وقرأها أكثر من مرة، وطلب إضافة كلمة " وإرادتنا " عقب عبارة " ونزولًا على إرادة الشعب "، لكن المستشار سليمان حافظ رفض تلك الإضافة، واخبر الملك أن صياغة الوثيقة في صورة أمر ملكي تحمل ذات هذا المعنى، وأنه لا داعى لتكرارها، كما أخبر جلالته، أن تلك الصياغة تمت بصعوبة كبيرة على هذا النحو، ولا تسمح بإدخال أي تعديل يطرأ عليها بأي شكل، فغضب الملك فاروق وقتها، وكان في حالة سيئة، ولم يكمل النقاش مرة أخرى، ووقع بعصبية، ولكن المستشار السنهوري، لم يعجبه التوقيع، فطلب من جلالته التوقيع مرة أخرى، وكان هذا بدل على ما يتمتع به الرجل من قوة أعصاب ودقة متناهية. وهو ما يفسر وجود توقيعين للملك فاروق على الوثيقة.
وكان الملك فاروق بدأ بالفعل يستعد لمغادرة البلاد بحرًا على متن يخت "المحروسة" قبل الساعة السادسة من يوم 26 يوليو 1952
في المقال القادم نتناول تنحي الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس مبارك.
حمدي البطران.
تنحي الحكام.
[1]
التنحي تحمل معني الترك والابتعاد، وبالنسبة للزعماء يحمل التنحي معني ترك السلطة. وهذا التنحي حدث في مصر في أربه مناسبات. ذكرها لنا التاريخ المصري، بلا مواربة.
ويمكن ان يكون التنحي جبرًا او طواعية. الجبر كان في ثلاث حالات، والتنحي الطوعي في حالة واحدة.
كان أول من أجبر على التنحي في التاريخ المصري هو الخديوي عباس الثاني. وكان آخر خديوي في مصر، كان صعوده للحكم روتينيا، بحكم الوراثة، وكان أصغر من السن القانوني للرشد، وتم احتساب عمره بالتاريخ الهجري ليكتمل له سن الرشد. كان يناصب الإنجليز العداء، كانت الحالة الدولية تنذر بخطر قريب ثم ما لبثت الحرب العظمى أن اشتعلت نارها، فلما كان يوم 18 ديسمبر من سنة 1914 أعلنت الحماية البريطانية على مصر، وفى اليوم التالي 19 ديسمبر1914 أعلن بلاغ في انحاء مصر، جاء فيه أن وزير الخارجية البريطانية يعلن عزل سموه من منصب الخديوي وأن هذا المنصب السامي قد تم عرضه مع لقب سلطان مصر، على سمو الأمير حسين كامل أكبر الامراء الموجودين من سلالة محمد على فقبله، ولكن عباس الثاني تنازل فعليا عن الحكم في ٦ مايو سنة ١٩٣١. أي بعد 18 عاما من التنحي، لصالح ابن أخيه الملك فؤاد بموجب وثيقة جاء فيها " إني موقن بأنى خدمت بلادي بأمانة وإخلاص وأنى كرست لها مدى ثلاث وعشرين سنة كل قواي وخير أيام حياتي، ورغبة منى في تحديد موقفي حيال نظام مصر السياسي وتأكيد إخلاصي نحو ذات ملكها المعظم، فإني أعلن اتباعي للدستور المقرر بالأمر الملكي، وعلى وجه الخصوص أعلن احترامي للقانون الخاص بإقرار تصفية أملاكي، ولما كنت أقر لحضرة صاحب الجلالة الملك فؤاد الاول ابن اسماعيل بأنه ملك مصر الشرعي، فإني اعلن بهذا تنازلي عن كل دعوة على عرش مصر، كما أعلن تنازلي عن كل مطالبة ناشئة عن أنى كنت خديوي لمصر". حسب ما جاء بمذكرات إسماعيل صدقي باشا رئيس الوزراء في عهد الملك فؤاد.
وظلت محبته في قلوب المصريين، آملين في عودته، لذلك اعتاد أهالي القاهرة ترديد هتافهم الشهير "الله حي...عباس جاي"، في المظاهرات الوطنية ما بين عامي 1914 و1931.
ويقال أن تنازله عن الحكم كان بمقابل أن تدفع له الحكومة المصرية مبلغ 30 ألف جنيه سنويا طوال حياته.
وبعد 20عاما من تنازل الخديوي عباس حلمي عن العرش لصالح الملك فؤاد، أجبر ابنه الملك فاروق الأول. على التنازل عن الحكم في يوليو عام 1952.
استمرت فترة حكم الملك فاروق منذ عام 1937 وحتى عام 1952، مما يعني أنها بلغت قرابة 15 عامًا كان الملك فاروق خلالها ملكا لمصر والسودان. وشهدت مصر الكثير من الإنجازات خلال هذه الفترة حتى انتهت فترة حكم الملك فاروق، وأصبح الملك فاروق على سُدّة الحكم بعد أبيه الملك فؤاد الأول.
وفي عهد الملك فاروق تم تأسيس الكلية الجوية، كما تم تأسيس الكلية البحرية خلال فترة حكمه، وذلك إلى جانب تأسيس ما أطلق عليه اسم الجيش المرابط لمساعدة الجيش المصري في الدفاع عن مصر. وفي عهده ألغيت الامتيازات الأجنبية في مصر عام 1937.
أما عن تنحي الملك فاروق، فقد تم بإرادته بموجب وثيقة قانونية، صاغها المستشار السنهوري رئيس مجلس الدولة في ذلك الوقت، وحملها على ماهر باشا رئيس الوزراء، في صباح يوم 26 يوليو 1952 لقصر رأس التين بالإسكندرية، وتحدث إلى الملك فاروق عن رغبة الجيش والشعب المصري معًا إلى تنازل الملك عن العرش، وعرض على الملك فاروق وثيقة تنازله عن العرش لابنه الأمير أحمد فؤاد، وكانت تلك اللحظة التاريخية بتاريخ ٤ ذي القعدة ١٣٧١ هجرية الموافق 26 يوليو 1952 ميلادية بالأمر الملكي رقم 65 لسنة 1952 بقصر رأس التين.
وكان الملك فاروق قد طلب من علي ماهر باشا، عندما التقى به في صباح ذلك اليوم، أن يحافظ على كرامته في وثيقة التنازل عن العرش، فقام علي ماهر باشا بطمأنة الملك فاروق، ذاكرًا له أن تكون الوثيقة على غرار الوثيقة التي تنازل بها ملك بلجيكا عن عرشه، وعلى إثر ذلك اتصل علي ماهر باشا رئيس مجلس وزراء مصر بالدكتور عبد الرزاق السنهوري، طالبًا منه تحرير وثيقة التنازل عن عرش مصر، فأعدت الوثيقة وقبل عرضها على مجلس الوزراء عرضت على اللواء أركان حرب محمد نجيب فوافق عليها.
وكان نص الوثيقة كالتالي: " نحن فاروق الأول ملك مصر والسودان، لما كنا تطلب الخير دائمًا لأمتنا ونبتغى سعادتها ورقيها، ولما كنا نرغب رغبة أكيدة في تجنيب البلاد المصاعب التي تواجهها في هذه الظروف الدقيقة، ونزولًا على إرادة الشعب، قررنا النزول عن العرش لولى عهدنا الأمير أحمد فؤاد، وأصدرنا أمرنا بهذا إلى حضرة صاحب المقام الرفيع على ماهر باشا رئيس مجلس الوزراء للعمل بمقتضاه " صدر بقصر رأس التين في 4 ذي القعدة 1371 هجرية الموافق 26 يوليو 1952 ميلادي
حمل الوثيقة المستشار سليمان حافظ إلى الملك فاروق بقصر رأس التين، وقرأها أكثر من مرة، وطلب إضافة كلمة " وإرادتنا " عقب عبارة " ونزولًا على إرادة الشعب "، لكن المستشار سليمان حافظ رفض تلك الإضافة، واخبر الملك أن صياغة الوثيقة في صورة أمر ملكي تحمل ذات هذا المعنى، وأنه لا داعى لتكرارها، كما أخبر جلالته، أن تلك الصياغة تمت بصعوبة كبيرة على هذا النحو، ولا تسمح بإدخال أي تعديل يطرأ عليها بأي شكل، فغضب الملك فاروق وقتها، وكان في حالة سيئة، ولم يكمل النقاش مرة أخرى، ووقع بعصبية، ولكن المستشار السنهوري، لم يعجبه التوقيع، فطلب من جلالته التوقيع مرة أخرى، وكان هذا بدل على ما يتمتع به الرجل من قوة أعصاب ودقة متناهية. وهو ما يفسر وجود توقيعين للملك فاروق على الوثيقة.
وكان الملك فاروق بدأ بالفعل يستعد لمغادرة البلاد بحرًا على متن يخت "المحروسة" قبل الساعة السادسة من يوم 26 يوليو 1952
في المقال القادم نتناول تنحي الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس مبارك.