هل تتفكك الولايات المتحدة؟
نقاط ضعف الولايات المتحدة، أو الإمبراطورية الأمريكية، تناولها عالم الاجتماع الفرنسى إيمانويل تود، Emmanuel Todd، فى كتاب عنوانه «ما بعد الإمبراطورية: انهيار النظام الأمريكى»، صدر سنة ٢٠٠١ عن دار نشر جامعة كولومبيا، واستنتج أن تنهار تلك الإمبراطورية، سريعًا، على المستويات الاقتصادية والعسكرية والأيديولوجية. وردًا على اتهامه بمعاداة الولايات المتحدة، قال «تود»، الذى سبق أن توقع سنة ١٩٧٦ تفكك الاتحاد السوفيتى، إنه مجرد مؤرخ إنسانى يضع رؤيته وفقًا للواقع الذى يراه.
بشكل ملحوظ، تزايد نشاط الحركات، أو الجماعات، التى تدعو إلى استقلال بعض الولايات، وأكد أعضاء حركة «نعم كاليفورنيا»، مثلًا، الذين يسعون إلى إجراء «استفتاء جديد» على انفصال الولاية، أن مؤيدى الاستقلال يزيد عددهم على ٥٠٪ من سكان الولاية. وكنا قد أشرنا، أمس، إلى تصاعد المطالبات بانفصال ولاية تكساس، مع تجدّد الصراع القديم، والمتكرر، بين الولاية وحكومة الولايات المتحدة الفيدرالية، بعد أن قضت المحكمة الأمريكية العليا بأحقية حرس الحدود الفيدراليين فى إزالة أسلاك شائكة، أقامتها الولاية على طول حدودها مع المكسيك، لمنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين.
الجدل الحالى، والمستمر منذ سنوات، بين النخب السياسية الأمريكية، كشف عن حالة من «عدم اليقين» تُشبه تلك التى سادت ولايات الجنوب فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، عقب انتخاب الرئيس الأمريكى السادس عشر، إبراهام لينكولن سنة ١٨٦٠، التى أشعلت فى السنة التالية حربًا أهلية، استمرت خمس سنوات وراح ضحيتها حوالى ٦٢٠ ألف أمريكى، وأحدثت اهتزازًا قويًا فى أركان دولة الاتحاد.
انفصال ولاية واحدة، سيتبعه، قطعًا، انفصال ولايات أخرى لديها مقومات اقتصادية وتعداد سكانى يكفلان لها البقاء والاستمرار كدويلات مستقلة. ما يعنى، ببساطة، نهاية الولايات المتحدة. وما يعزز توقعات تفكك الولايات المتحدة، غياب المساحات المشتركة بين الحزبين الكبيرين، الديمقراطى والجمهورى، الذى يؤكده تصويت نواب الحزبين، فى مجلسى النواب والشيوخ، خلال السنوات العشر الأخيرة، الذى جاء باستثناءات قليلة، على «أساس حزبى» بغض النظر عن المصالح وطنية.
تزايد دعوات الانفصال بين الجمهوريين والديمقراطيين، دعا ريتشارد كرايتنر، مؤلف كتاب «التفكيك: الانفصال والانقسام والتاريخ السرى للاتحاد الأمريكى غير الكامل»، إلى مطالبة الأمريكيين بضرورة التفكير فى أسباب تلك الدعوات، ومعالجة عيوب النظام الفيدرالى، التى تؤدى إلى تململ مواطنى بعض الولايات، واعتقادهم بأنهم سيصبحون أفضل حالًا إذا انفصلت ولاياتهم عن دولة الاتحاد وصارت دولًا مستقلة. ومع ذلك، رأى كريستوفر هاريسون، المسئول السابق فى وزارتى الخارجية والدفاع، فى مقال نشره موقع «ذا بولوارك»، منتصف ٢٢٢، أن تلك الدعوات، دعوات الانفصال عن دولة الاتحاد، مدعومة من روسيا، التى قال إن لها تاريخًا طويلًا فى تشجيع الولايات الأمريكية على الانفصال!
الوحدة الأمريكية اهتزّت بشدّة، أيضًا، خلال السنوات الخمس الماضية، بسبب تفاقم الأزمات السياسية، وصعود الخطاب المحرّض على العنف والكراهية و... و... وكان سبب الاهتزاز الأكبر هو فشل الإدارة الأمريكية فى إدارة الأزمتين، الصحية والاقتصادية، الناتجتين عن وباء كورونا، الذى دفع ثلاث ولايات كبيرة على الساحل الغربى، إلى توقيع اتفاق أو ميثاق، خاص بها، لمكافحة الوباء بعيدًا عن خطوات أو آليات الحكومة الفيدرالية. وهو الميثاق، أو الاتفاق، الذى أشارت فيه الولايات الغربية الثلاث، إلى أنها تتبنى «فهمًا جديدًا» للدستور الأمريكى، وللصيغة التى تربط الولايات ببعضها البعض.
.. وتبقى الإشارة إلى أن استطلاعات رأى عديدة أظهرت أن الوحدة التى جمعت الولايات الأمريكية، قبل وبعد الاستقلال، لم تعد موجودة، وأكدت تراجع إيمان الأمريكيين بالفيدرالية، وغياب الروح التى سادت فى عهد الآباء السبعة المؤسسين: جون آدمز، وبنجامين فرانكلين، وتوماس جيفرسون، وجون جاى، وألكساندر هاميلتون، وجيمس ماديسون، وجورج واشنطن. كما سبق أن كشفت استطلاعات رأى، منتصف ٢٠٢٢، عن تزايد احتمالات اندلاع حرب أهلية، مع تبنى غالبية الأمريكيين نظرية «الاستبدال العظيم»، التى تزعم أن المهاجرين وأصحاب البشرة السمراء يسعون إلى إزاحة السكان البيض!